من الأمثال العربية في نهج البلاغة: قوله (عليه السلام) ((أَيَادي سَبَأ))

مقالات وبحوث

من الأمثال العربية في نهج البلاغة: قوله (عليه السلام) ((أَيَادي سَبَأ))

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 27-06-2021

بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم/ الجامعة العربية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
استعمل الإمام علي عليه السلام المثل العربي في مواطن كثيرة قفت عليها في كتاب نهج البلاغة وهي على النحو الآتي:
قوله عليه السلام: (أَيَادي سَبَأ) [1]
(........ وأعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون عنها وأحثكم على جهاد أهل البغي فما أتى على آخر قولي،  حتى أراكم متفرقين أيادي سبأ)[2] والخطبة ذكر بعضاً منها ابن قتيبة[3] مفرقة.

والخطبة في توبيخ أصحابه على التباطؤ على نصرة الحق،  وجاء في معنى المثل في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن فروة بن مسيك[4] قال أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله أخبرني عن سبأ أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب ولد ولداً عشراً تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد.... إلى آخر قصة[5] المثل.
وكان هناك اختلاف في أصل المثل فمنهم من يقول بأن المثل إسلامي كابن أبي الحديد[6] معتمداً على قوله تعالى في أهل سبأ ﴿وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾[7] ومنهم من جعل أصله جاهلياً كما ذهب إليه صفاء خلوصي[8] بدلالة أن سبأ وجدت قبل الإسلام.
وأقول مرة أخرى لعدم وجود دليل معرفة أصل المثل إسلامياً كان أم جاهلياً لوجود التداخل الحاصل بين العهدين،  ولعدم وجود القرينة التي تؤكد ذلك لكون القرآن الكريم صور لنا كثيراً من تاريخ الأمم الجاهلية للعبرة والعظة وأن وروده في كتاب الله العزيز لا يدل على أنه إسلامي والقرينة في ذلك اعتمادنا على ما ذكره الميداني[9] مسنداً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،  وجاء المثل في كتاب الأمثال على شكل (ذهبوا أيادي سبأ،  وتفرقوا أيادي سبأ) واستعمال الإمام علي (عليه السلام) للمثل المذكور دليل على فرقة أصحابه عنه دليل قوله السابق وقوله: (ترجعون إلى مجالسكم وتتخادعون عن مواعظكم... أيها الشاهدة أبدانهم،  الغائبة عنهم عقولهم،  المختلفة أهواؤهم.....  صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه.. لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم)[10].
وهذه الخطبة لا تعني انكسار علي (عليه السلام) فهو إن إنتهى من معركة النهروان بدأ يعد العدة للقاء معاوية في صفين وأخذ يحشد الجيوش فأرسل معقل ابن قيس التميمي يحشد الناس من السواد وتوجه إلى الحرب قائلاً (الجهاد،  الجهاد عباد الله،  ألا وإني معسكر في يومي هذا فمن أراد الرواح إلى الله فليخرج)،  وعقد للحسين (عليه السلام) في عشرة آلاف ولقيس بن سعد في عشرة آلاف ولأبي أيوب الإنصاري في عشرة آلاف،  فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه الله فتراجعت العساكر.

وفي الوقت نفسه تحرك معاوية من دمشق معسكراً وكتب إلى عماله بذلك هذا علماً بأن علياً (عليه السلام) لا يعول على العدو وهو القائل (والله لو تظافرت العرب على قتالي لما وليت عنها،  ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها)[11]،  وقوله (والله لو لقيتهم وحدي وهم طلاع الأرض كلها ما باليت ولا استوحشت)[12].
والمثل عند الإمام ضرب لبيان تفرق القوم،  ومعرفة تفرقة القوم عنه معروفة في مواطن كثيرة من خطبه (عليه السلام) فهو استفاد في وصفهم من مضمون المثل لا من شكل المثل،  فجعل من مضمون المثل قراءة صادقة لوصف أصحابه المتفرقين ومصداقاً لقوله (عليه السلام): يا أهل الكوفة ! منيت بكم بثلاث واثنين،  صم ذو أسماع،  وبكم ذو كلام،  وعمي ذو أبصار،  لا أحرار صدق عند اللقاء،  ولا إخوان ثقة عند البلاء....[13].
فكانت صورة الماضي البعيد في وصف أيادي سبأ حاضرة لدى الإمام (عليه السلام) فجاء بها بصيغة الحاضر عندما خاطبهم وهذا من قوة بيانه الذي لا يماريه فيه أحد.[14].

الهوامش:
[1]- - الميداني: مجمع الأمثال 2/454،  النويري: شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (ت 739هـ) نهاية الأرب في فنون الأدب،  المؤسسة المصرية، 3/30.
[2]- نهج البلاغة، خطبة (96).
[3]- عيون الأخبار، 2/301.
[4]- فروة بن مسيك: صحابي من اليمن يلقب بالمرادي استعمله رسول الله (صلى الله عليه واله) على مراد ومذحج،  سكن الكوفة سأل النبي (صلى الله عليه واله) عن سبأ،  ترجمته،  الرازي: الجرح والتعديل 9/16،  ابن حبان: الثقاة 2/118،  ابن حبان: مشاهير الأمصار، ص79،  ابن عساكر: تاريخ مدينة دمشق 46/373،  ابن الأثير: أسد الغابة 4/180،  ابن حجر: الإصابة 5/281.
[5]- ينظر: الميداني: مجمع الأمثال 2/4،  القصة كاملة للمثل.
[6]- شرح النهج، 7/70.
[7]- سبأ: آية 19.
[8]- دراسة في الأمثال العربية،  محاضرات ألقيت على طلبة الماجستير،  جامعة بغداد.
[9]- مجمع الأمثال، 2/4،  ابن حبان: الثقاة 3/331.
[10]- نهج البلاغة: ص216، خطبة رقم (96).
[11]- المصدر نفسه، 4/191.
[12]- المصدر نفسه، 4/107.
[13]- نهج البلاغة، خطبة (96).
[14]لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 103 –107.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2715 Seconds