المرتبة الثالثة: قصدية حفظ ابني فاطمة(عليهم السلام)عند عامة المسلمين.
بقلم السيد: نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
فإن المرتبة الثالثة من المعرفة والتي ينال بها المسلم شرف الصلة برسول الله(صلى الله عليه وآله) فهي موجهة الى عامة المسلمين في زمانه، أي في زمان أمير المؤمنين (عليه السلام) وما بعده من الأزمنة بغية الوصول الى حقيقة الاسلام وما يفرضه من حدود في التعامل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته(عليهم السلام) وذلك من خلال خصوصية التعامل مع ابني فاطمة (عليهم السلام).
بمعنى آخر: إنّ منتج النص(عليه السلام) أراد بيان النتائج التي ستصل إليها الأمة بفعل الفتن والشبهات وأتباع الأهواء من الانحدار القيمي وانعكاسه على واقع الحياة الاسلامية لاسيما بعد أن خاض أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه الحروب الثلاثة في اصلاح ما أفسده الولاة من قبله.
فضلاً عن تغيير المسار القرآني والنبوي في الامة فكان المستهدف الأساس من فعل الولاة وأشياعهم هو العترة النبوية(عليهم السلام) ابتداءً من تجريدهم من حقوقهم التي فرضها القرآن ومنها وجوب المودّة لهم وحفظ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهم وتعظيم حرمته وصلته بهم.
وهذه القصدية دلت عليها الروايات الواردة عن أئمة العترة(عليهم السلام) والتي تكشف الغرض الذي قصده أمير المؤمنين (عليه السلام) في تشريف هذه الصلة التي للأبني فاطمة برسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي يلزم الأمة صونها وحفضها والنظر إليها من منظار الحرمة والقرب من سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنهم أبناه، ولهم على الأمة حق البنوة لرسول الله (صلى الله عليه وآله).
فمما جاءت به الروايات لبيان قصدية منتج النص(عليه السلام) في أظهار الرتبة الثالثة من المعرفة بصلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي حفظ أبناء فاطمة لبنوّتهم من رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما يلي:
1- أخرج الشيخ الطوسي (رحمه الله) في أماليه عن ابن شبيب (رحمه الله) عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال:
«احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا﴾[1] »[2].
2- وأخرج الشيخ المفيد في أماليه عن الشهيد زيد بن الإمام زين العابدين (عليهما السلام) قرأ:
﴿وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ﴾[3]؛ ثم قال:
«حفظهما ربهما لصلاح أبيهما، فمن أولى بحسن الحفظ منا؟، رسول الله (صلى الله عليه وآله) جدنا، وبنته سيدة نساء العالمين أمنا، وأول من آمن بالله ووحده وصلى أبونا»[4].
3- أخرج الشيخ الكليني (رحمه الله) عن الإمام الصادق (عليه السلام) وقد سُئِل عن قوله تعالى:
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾[5].
قال: أعظم، ثم من يحلف بها؛ قال: وكان اهل الجاهلية يعظمون الحرم ولا يقسمون به يستحلون حرمة الله فيه ولا يعرضون لمن كان فيه ولا يخرجون منه دابة؛ فقال الله تبارك وتعالى:
﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾[6].
قال: يعظمون البلد ان يحلفوا به ويستحلون فيه حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)[7].
4- قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في بيان معنى الحديث الشريف:
(الظاهر أن المراد منه أنه تعالى لم يحلف بمواقع النجوم ومغاربها، كما أن أهل الجاهلية لم يكونوا يحلفون بها لعظمها عندهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ أي إثمه، لأنه قسم بغير الله ولكن لا تعلمون عظيم إثم الحلف بغير الله، ولذلك تقسمون بغيره تعالى.
ويمكن أن تكون «لا» زائدة كما ذكره المفسرون وحينئذ يكون المراد أن أثم مخالفته عظيم كما أنكم تعظمونه لأنهم كانوا يعظمون المحرم وغيره من الأشهر الحرم وكانوا لا يحلفون بها ولو حلفوا لوفوا به وكذلك الحرم كما قال الله: «لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ» مع عظمه والحال أن حرمته صار أعظم باعتبار أنك حال فيه.
والمراد «بالوالد» رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أو أمير المؤمنين (عليه السلام) وب «ما ولد» أولادهما وكانوا يعظمون الحرم ولم يعرفوا حق الوالد وما ولد وقتلوا ولد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيه ولم يلاحظوا حرمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولا حرمة الشهر مع أن حرمة الشهر والبلد لحرمته)[8].
اذن: كانت الغاية والقصدية التي اكتنزها اللفظ والتي تقارب ما ابتغاه منتج النص في قوله (عليه السلام):
«وتشريفاً لوصلته».
تكمن في هذه المعرفة الملازمة لأمور ثلاثة:
1- التمييز بين ولد رسول الله وولد علي (عليهم السلام) في الحرمة من جهة صلتهم الوالدية برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
2- وجوب هذه الحرمة في الأمة.
3- حفظهما من القتل والتعدي لجهة بنوّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا اقل ما يمكن أن ينظر اليهما كي لا يستحل الناس التعدي عليهم، كما هو ثابت في التأريخ والسيرة والتراجم في قتلهم وتهجيرهم وسلبهم الاموال وسبيهم ويكفي من ذلك كله يوم عاشوراء وما لقي فيه أبناء وبنات فاطمة (عليهم السلام) من المصائب والرزايا العظيمة التي لم يراع فيها حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولعل خير ما يثبت قصدية منتج النص في سياق العام من القربة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وتكريم حرمته وتشريف وصلته ما جاء على لسان ابنته العقيلة زينب (عليها السلام) حينما خطبت بأهل الكوفة، فمما جاء في بيان قصدية منتج النص (عليه السلام) انها قالت:
«ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم، لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات ليتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هداً، لقد جئتم بها شوهاء خرقاء كطلاع الأرض، وملئ السماء، أفعجبتم ان قطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينظرون، فلا يستخفنكم المهل فإنه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وان ربكم لبالمرصاد»[9].[10].
الهوامش:
[1] الكهف:82
[2] الامالي للشيخ الطوسي: ص273.
[3] سورة الكهف، الآية (82).
[4] الامالي للشيخ المفيد: ص116.
[5] الواقعة:75
[6] البلد:1-4
[7]الكافي للشيخ الكليني: ج7 ص450.
[8] روضة المتقين للمجلسي: ج8 ص29.
[9] بلاغات النساء لأبن ابي طيفور: ص24؛ الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص31.
([10]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فاطمة في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة. ج5/ ص 38-42.