بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((ضَرْبٌ يَطِير مِنْهُ فَراشُ الهامِ))[1].ومنهم من ذكر نظير هذا الحديث ولكن فيه زيادة في الالفاظ بقوله (عليه السلام): ((فأمّا أنا فدون أن اُعطي ذلك ضَرْبٌ بالمَشرفيّ، يَطير منه فَرَاش الهامِ))[2].
التركيب الغريب الذي يلفت انظارنا(فَرَاش الهامِ) والفراش جمع فراشة[3]، وفراش الهام: هى العِظَامُ الَّتِي تَخْرُجُ من رَأْسِ الإِنْسَانِ إِذا شُجَّ وكُسِرَ[4]، وهي: ((طرائقُ دِقاقٌ من القِحْفِ، وقيل هي عِظامٌ رِقَاقٌ طراقُ بعضه على بعضٍ كالقِشْرِ، وقيل هو ما رقَّ من عَظْمِ الْهامَةِ وقيل كل عَظْمٍ ضُرِب فطارت منه عظامٌ رقاقٌ فهي الفَرَاشُ،... لا تُسمَّى عِظامُ الرأْسِ فَرَاشاً حتى تَبِينَ الواحدة من كل ذلك فَراشَةٌ)) [5].وأمّا الهامة فيقال: هي الرأس، ويقال هي أعلى الرأس، ويقال هِيَ: وسَطُ الرأْس ومُعظمه مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، والجمع: هام[6].
فقد أجمع اللغويون، وأصحاب غريب الحديث على أنَّ معنى (فراش الهام): هي العظام الخفيفة التي تلي القحف [7]، وفي كتاب خلق الإنسان ذكر: ((وفي الرأس الفراش وهي العظام الرقاق تركب بعضه بعضا في أعالي الانف))[8].
وقال ابن قتيبة: ((الفراشة واحدة الفراش))[9]. فالإمام (عليه السلام) يتكلم عن نفسه في نص الحديث؛ ليرتفع شأناً فيضع نفسه في مقام التهديد والوعيد بقوة سيفه الذي يضرب به الخصوم، ولا يتقاعس عن إداء وظيفته[10]، فقوله (تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ)؛ لأنها أعلى الرؤوس[11] فكُلُّ عَظْمٍ رَقِيقٍ يسمى فَرَاشَةَ،؛ ويُقَالُ: ضَرَبَه فأَطارَ فَرَاشَةَ رَأْسِهِ وذلِك إِذا طَارَت العِظَامُ رِقَاقاً مِنْ رَأْسِه[12]، فصورة التطاير لأجزاء الهام تكونت نتيجة لقوة الضرب الذي بيّن الإمام (عليه السلام) أداته وفعله في السياق[13] في قوله(ضَرْبٌ بالمَشرفيّ ) [14]؛ ليقضي عليهم بسرعة، وقد استعمل الإمام(عليه السلام) صيغتين من صيغ اسم الجنس الجمعي، وهما (فراش جمع فراشة، وهام جمع هامة)؛ لكثرة من ينالهم بسيفه[15].
الهوامش:
[1] النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/431، وينظر: غريب الحديث في بحار الأنوار: 2/294.
[2] غريب الحديث في بحار الأنوار: 3/178، وينظر: الأمالي: 1/148، ونهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 2/189، وبحار الأنوار: 74/334، ولسان العرب: (فرش) 6/328.
[3] ينظر: لسان العرب: (فرش)6/328.
[4] ينظر: المحكم والمحيط الأعظم: (ف رش)8/50، ولسان العرب: (فرش)6/328.
[5] المحكم: (ف رش)8/50، وينظر: لسان العرب: (فرش)6/328، وتاج العروس: (فرش)17/303.
[6] ينظر: لسان العرب: (هوم)12/624-625.
[7] ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 4/134، وغريب الحديث في بحار الأنوار: 3/178.
[8] خلق الإنسان: أبو اسحق السري (ت311هـ)، تح وليد أحمد الحسين: 25.
[9] غريب الحديث: 2/410.
[10] ينظر: نفحات الولاية: 2/215.
[11] ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر: 4/134.
[12] ينظر: لسان العرب: (فرش) 6/328.
[13] ينظر: ألفاظ أجزاء الإنسان في نهج البلاغة دراسة في الحقول الدلالية، رسالة ماجستير: 9.
[14] قال ابن سيده في نعوت السيوف من قبل مواضِعَها وصُنَّاعِها قوله: (المَشْرَفِيُّ مَنْسوب إِلَى المَشَارِف وَهِي قُرّى من أَرض العَرَب تَدْنُو من الرَّيفِ). المخصص: 2/19، وينظر: غريب الحديث في بحار الأنوار: 3/178.
[15] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/ دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 77-78.