من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله (عليه السلام) : «وَذَكَّرْتُكُم بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم».

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله (عليه السلام) : «وَذَكَّرْتُكُم بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم».

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 26-08-2023

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

((الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:

قوله عليه السلام: «وَذَكَّرْتُكُم بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم».

ذكَّرتُكم
تدلُّ مادَّة (ذكر) في اللُّغة على معانٍ، منها: الحفظ، وعدم النِّسيان، والسَّهو. جاء في (العين): «الذِّكر: الحفظ للشَّيء تذكرةً، وهو مني على ذكر، والذِّكْرُ: جَرْيُ الشَّيء لسانك، تقول: جرى منه ذِكْرٌ»[1].
وقال ابن دريد: «الذِّكر: ضدُّ النِّسيان؛ ذكرتُ الشَّيء أَذكرُه ذِكراً أَو ذُكراً، وهو منِّي على ذِكْرٍ وعلى ذُكْرٍ، والضَّمُّ أَعلى، وذَكَّرتُه ذِكراً حَسناً. وذكَّرتُك الله أَنْ تفعل كذا وكذا كالقسم...»[2].
وقال أَبو هلال العسكريّ في الفرق بين (الذكر) و(العلم) إنَّ الذِّكر: «وإنْ كان ضرباً من العلم، فإنــَّه لا يسمَّى ذكراً إلاَّ إذا وقع بعد نسيان، وأَكثر ما يكون في العلوم الضَّروريَّة، ولا يوصف الله به؛ لأَنــَّه لا يوصف بالنِّسيان، وقال عليّ بن عيسى: الذِّكر يضادُّ السَّهو...»[3].
وقال الرَّاغب: «الذِّكْرُ: تارة يقال، ويراد به هيئة للنَّفس بها يمكن للإنسان أَنْ يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلاَّ أَنَّ الحفظ يقال اعتباراً بإحرازه، والذِّكْرُ يقال اعتباراً باستحضاره، وتارة يقال لحضور الشَّيء القلب أَو القول؛ ولذلك قيل: الذِكْرُ ذِكْران: ذِكرٌ بالقلب. وذِكرٌ باللِّسان، وكلُّ واحد منها ضربان: ذِكرٌ عن نسيان. وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة الحفظ»[4].
وجاء في (أَساس البلاغة): «ذكرته ذكراً وذكرى. وذكَّرته تذكرة وذكرى «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»[5]. وذكرت الشَّيء وتذكرته، واجعله في على ذكر، أَيْ: لا أَنساه... واستذكر بدراسته، طلب بها الحفظ»[6].
وبهذا المعنى ورد الفعل (ذَكَّرْتُكُم) في الخطبة مرَّةً واحدة، جاء به أَمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيَّته مَنْ كان حاضراً عنده، مُذكِّراً إِيَّاهم بسنَّة النَّبيِّ الأَعظم ــ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ ــ، إذ قال (عليه السلام): «وَصَيْتُكُم مَعْشَرَ مَنْ حَضَرَنِي، وَذَكَّرْتُكُم بِسُنَّةِ نَبِيِّكُم».
وأَحسن أَمير المؤمنين (عليه السلام) حين استعمل الفعل (ذَكَّرْتُكُم) بصيغة (فَعَّلَ)؛ فَزِنَةُ (فَعَّلَ) لها معانٍ كثيرة، منها المبالغة والتَّكثير، وهو أَشهرها، ويدلُّ على تكرير الفعل، وكثرة القيام به [7]، وهو ما يتناسب ومعنى الفعل (ذَكَّرْتُكُم)؛ فإنَّ الذِّكر يحتاج إلى إعادة، وكثرة، ومبالغة. قال الله تعالى: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»[8].
و(ذَكَّرْتُكُم) فعل ماضٍ مبنيٌّ على السُّكون؛ لاتِّصاله بتاء الفاعل، وتاء الفاعل ضمير متَّصل مبنيٌّ على الضَّمِّ في محلِّ رفع فاعل، عائد إلى أَمير المؤمنين (عليه السلام)، و(كم) ضمير متَّصل مبنيٌّ في محلِّ نصب مفعول به، عائد إلى معشر مَنْ كان حاضراً عند أَمير المؤمنين (عليه السلام)  في مجلسه. وجملة (ذَكَّرْتُكُم) معطوفة على جملة (وَصَيْتُكُم))[9].

الهوامش:
[1]. العين: 1/437. وينظر: الصحاح في اللغة: 1/227، والمحيط في اللغة: 2/42، والمحكم والمحيط الأعظم: 3/163، ولسان العرب: 4/308، وتاج العروس: 1/2863- 2867.
[2]. جمهرة اللغة: 1/375.
[3]. الفروق اللغوية: 241.
[4]. مفردات ألفاظ القرآن: 328.
[5]. الذاريات: الآية 55.
[6]. أساس البلاغة: 1/147.
[7]. ينظر: الفعل (بلغ) من الكتاب.
[8]. الذاريات/55.
[9] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 146-148.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2214 Seconds