من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله (عليه السلام): «وَخَشْيَةٍ تُذْرِئُ دُمُوْعَكُمْ».

أثر نهج البلاغة في اللغة والادب

من دلالة الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام قوله (عليه السلام): «وَخَشْيَةٍ تُذْرِئُ دُمُوْعَكُمْ».

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 11-09-2023

بقلم: الدكتور مصطفى كاظم شغيدل

الحمد لله الذي صدقنا وعده هي مقالة المتقين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:
امتازت الخطبة المونقة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي تسمى أيضا بـ(الخطبة الخالية من الألف) بكثرة الأفعال فيها، إذ وصلت إلى (170) فعل، فضلاً عما جاء مكرراً وبصيغة مختلفة؛ وهذه الخطبة مع أنها قيلت في موضع التندر لخلوها من الألف، غير أنها لم تكن خالية من الفكر بمختلف أبعاده، وهو على النحو الآتي:

قوله عليه السلام: «وَخَشْيَةٍ تُذْرِئُ دُمُوْعَكُمْ».
تُذْرِئُ
تدلُّ مادَّة (ذرأ) في اللُّغة على معانٍ كثيرة، منها: النَّفض، والصَّبُّ. فالذَّرو اسم لما ذَرَوْتُه بمنزلة النَّفض، اسم ما تنفُضُه من الثــَّمر المتساقط. والذَّرَى: ما أَذْرأتِ العينُ من الدَّمع، أَيْ: صَبَّت، تُذري إذراءاً، وأَذرأتُ الدَّمع: أَذْرَيتُه [1].
وبهذه الدَّلالة ورد هذا الفعل (تذرئ) في الخطبة مرَّةً واحدة؛ إذ قال أَمير المؤمنين (عليه السلام): «فَعَلَيْكُم بِرَهْبَةٍ تُسَكِّنُ قُلَوْبَكُمْ، وَخَشْيَةٍ تُذْرِئُ دُمُوْعَكُمْ»، أَيْ: عليكم بخشية تصبُّ دموعكم.
و(تذرئ) فعل مضارع مرفوع، وعلامة رفعه الضَّمَّة الظَّاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازاً، تقديره هي، عائد إلى (خشية)، و(دموعكم) مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة الظَّاهرة على آخره، وهو مضاف، و(كم) ضمير متَّصل مبنيٌّ في محلِّ جرٍ بالإضافة.
وممَّا تجدر الإشارة إليه ــ هنا ــ أَنَّ أَمير المؤمنين (عليه السلام) أَراد صَبَّ الدُّموع المرتبط بعلمٍ ومعرفةٍ بالله ــ تبارك وتعالى ــ ؛ ولذا قال (عليه السلام): «فعليكم... بخشية تذرئ دموعكم»، ولم يقل: (فعليكم... بخوف يذرىء دموعكم)؛ إذ إنَّ هناك فرقًا بين (الخوف) و(الخَشية)، فالخشية اصطلاحاً: «خوف يشوبه تعظيم، وأَكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخُشى منه»[2]. وفرَّق الدُّكتور أَحمد الشّرباصيّ بين (الخشية) و(الخوف) بقوله: «وإذا واصلنا قراءتنا في كتب السَّلف فيما يتَّصل بالخوف، وجدنا جملة أَلفاظ متقاربة، وإنْ لم تكن مترادفة، ومنها الخوف، والخشية، والرَّهبة،... وقد قالوا في التَّفرقة الدَّقيقة بينها: إنَّ الخوف هرب من حلول المكروه عند استشعاره، وهو لعامَّة المؤمنين، وصاحبه يلتجئ إلى الهرب والإمساك، والخشية أَخصُّ من الخوف، وهي للعلماء العارفين بالله المشار إليهم بقوله تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»[3] وصاحب الخشية يلتجئ إلى الاعتصام بالله، وعلى قدر العلم تكون الخشية»[4].
فالخشية هي خوف من ذات الله سبحانه، لا من عذابه وعقابه، وذهب الرَّازيّ إلى أَنَّ تخصيص (الخشية) بالله ــ سبحانه وتعالى ــ إنَّما كان للعظمة «لأَنَّ الخشية تكون غالباً من عظم المخشي، وإنْ كان الخاشي قويّاً، أَمَّا الخوف، فيكون غالباً من ضعف الخائف، وإنْ كان المخوف أَمراً يسيراً»[5].
وفرَّقت الدُّكتورة عائشة عبد الرَّحمن بين (الخشية) و(الخوف) بقولها: «وتفترق الخشية عن الخوف بأَنــَّها تكون عن يقين صادق بعظمة مَن نخشاه... أَمَّا الخوف، فيجوز أَنْ يحدث عن تسلُّطٍ بالقهر والإرهاب»[6])[7].

الهوامش:
[1]. ينظر: العين: 2/154، وجمهرة اللغة: 1/376، وتهذيب اللغة: 5/66، والصحاح في اللغة: 1،244، والمحيط في اللغة: 2/394، والقاموس المحيط: 1،9، والعباب الزاخر: 1/18، ولسان العرب:1/79،وتاج العروس:1/2858.
[2]. مفردات ألفاظ القرآن: 213.
[3]. فاطر: 28.
[4]. موسوعة أخلاق القرآن: 1/160.
[5]. التفسير الكبير: 28/177.
[6]. الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق: 209.
[7] لمزيد من الاطلاع ينظر: الأفعال في الخطبة المونقة للإمام علي عليه السلام بين الدلالة المعجمية والاستعمال الوظيفي: للدكتور مصطفى كاظم شغيدل، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 152-154.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2774 Seconds