الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الإيمان وجعلنا من موالي سيد الأنام وآل بيته الكرام صلوات الله عليهم أجمعين، وبعد:
فإنه بفضل الله تعالى يتم التواصل العلمي في إصدار المجلة التخصصية مجلة (المبين)، فهذا هو العدد التاسع عشر من عمرها العلمي المنير، اجتهدنا فيه أن يكون من ضمن فصوله -على وفق خطة المجلة- ملف خاص به ضم عنوان الدراسات الاجتماعية في نهج البلاغة.
وإن مما تجتهد فيه سياسة المجلة البحث دائما عما هو جديد قدر المستطاع في هذا الإرث الخالد الذي يستقي المعرفة من القرآن العظيم، لذلك لا ينضب مهما نهل منه الباحثون وكتب فيه أهل العلم، ونسعد أن نقدم شيئا مكملا لما سبق من الأعداد الماضية للمجلة، لأننا نعتقد أن العلوم المختلفة التي تتبنى سياسة المجلة نشرها تكمل بعضها بعضا، ونسعى مستقبلا أن تضم الأعداد اللاحقة جملة من العلوم الطبيعية الأخرى لهذا السفر العلوي الخالد.
وهذا العدد الجديد تضمن سلسلة من المباحث التي تدرس ريادات أمير المؤمنين (عليه السلام) في الحفظ على السلم المجتمعي وإدارة أمنه وتحصينه بحسن التعايش فيه والقدرة على الحوار وتقبل الآخر، ففي هذا التراث العلوي درر جامعة فريدة تلبي زاد الإنسانية في هذا المجال، وقد حفل فكرنا الإسلامي الخلاق في إثراء العقل وتنمية الذهن، وإعادة صياغة الإنسان كما أراده الله خلقة يستحق أن يكون خليفته في الأرض كما شاء سبحانه، ولتفتتح بذلك بوابة من المعارف لا تنتهي حول الموضوع، ومما تجدر الإشارة إليه أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تصدوا كثيرا لكل ما يؤكد وحدة الصف وبناء المجتمع، وكان لعلومهم وتعاليمهم الأثر البالغ في رفد الزاد المعرفي للإنسان أيا كان توجهه، فهم زاد معرفي إنساني لا ينضب وقيمته في الحاجة الفعلية للإنسان إليه دائما.
ومما استبطن تراثهم (عليهم السلام) من أسرار لم يتعلق بفنون القول فحسب بل في رياداتهم المختلفة، فأمير المؤمنين علي (عليه السلام) كان وحده أمة من العطاء وقيم النبل والايثار، فقد رسم الاستراتيجية السليمة لقيادة الأمة، فله في ذلك إشارات سجلتها الكتب ووثقتها أقلام العلماء، ولعل السياسة العلمية لمؤسسة علوم نهج البلاغة ومن خلال مجلتها (المبين) تسعى إلى الكشف عن هذه الدرر العلوية الثرية بما يحتاجه عالمنا اليوم وأجيال أبنائنا من هذا السفر العجيب.
ونستثمر المناسبة دائما في استنهاض همم الكتاب والمبدعين ونذكرهم بأن مجلتهم رائدة في هذا المجال فتدعوهم الى إغناء الدراسات العلمية بمثل ذلك، فسيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وكلامه المجموع فيه الغنى لما يبتغي المجتمع والجيل الجديد، وما على العلماء والباحثين إلا إعمال الفكر وتفعيل الأقلام بالدرس والتحليل والاستقصاء والاستنتاج والتعليل مما تحتاجه أجيال اليوم من فك عقد هذا العصر الذي نعيشه .
ويشرفنا اليوم أن يطل هذا العدد الجديد لنضعه بين يدي القراء وطلاب المعرفة الحقة التي تسعى لإضافة قيمة علمية في مكتبة المعارف العلوية وعلوم أهل البيت (عليهم السلام)، راجين أن يكون زادا للنفس والعقل وتزكية للقلوب، والله تعالى ندعو ونسأل من سبحانه السداد في خدمة العلم وأهله، فنحن نرمي إلى الأخذ بيد القارئ نحو الحقيقة وتجنب التكرار، ومحاولة تقديم الجدة دائما، آملين كذلك أن تكون هذه الأعمال مما يغني المكتبة بأعدادها الكثيرة المتنوعة، ومتوخين في ذلك إثراء المكتبة المعرفية وإغناء الدارسين بالبحوث الرصينة، وما توفيقنا إلا بالله عليه توكلنا وإليه أنبنا، والحمد لله رب العالمين.