الأدب صورة العقل.

سلسلة قصار الحكم

الأدب صورة العقل.

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 18-07-2020

الباحث: سلام مَكِيّ خضَيّر الطَّائِيّ

الحمد لله رب العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الخلق والمرسلين، ابي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، والغرّ الميامين المنتجبين...
فإنَّ هناك العديد من الصّفات الأخلاقيَّة، التي لا بد من أن يكون المرء متحلِّياً بها، كالإيمان بالله تعالى ورسوله (صلَّى الله تعالى عليه وآله)، وآل بيته الأطهار (عليهم السَّلَام)، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها.
ومن هذه الصّفات التي سنتناولها في موضوعنا هذا، هي صفة (الأدب).
فالأدب، هو حسن الأخلاق، وأدبته أدبا - من باب ضرب: علمته رياضة النفس ومحاسن الأخلاق، يعني بالأدب العلم[1]، فهنا قد تبين لنا معنى الأدب.
اما قول الإمام عَلِيّ (عليه السَّلَام): (الأدب صورة العقل)[2].
وأما الصورة: فتطلق ويراد بها في الظاهر ما يشاهد من الشكل والهيئة وتسمى صورة شخصية وتطلق في عرف قوم ويراد بها الجوهر الحال في المحل المقوم لما يحله ويتحصل متحيزا باقترانه به، وتسمى صورة طبيعية وتسمى محله مادة ويسمى المركب منه ومن محله جسمًا طبيعيًّا، وتارة يراد به ما يقع به اختلاف أنواع الجسم بعد اشتراكها في الصورة الجسمية العامة وتسمى تلك صورة نوعية، وقد اطلق (عليه السَّلَام) ههنا لفظ الصورة على الأدب مجازا، والأشبه ان ذلك المجاز عما سمّيناه صورة شخصية ووجهه المناسبة بينهما: أن الصورة الشخصية لما كانت سبَبًا يعرف به كل شخص شخصًا ويميز الرائي بها بعض الاشخاص عن بعض ويستثبتها خياله كذلك الأدب هو سبب يوضح أمر صاحبه ويستبدل بوجوده فيه على وجود استعداده للنّفحات الإلهية الذي هو عقله، وبتفاوته يستدلّ على تفاوت العقول ومغايرة بعضها لبعض كما يستدل بتفاوت الصور في حسنها وقباحتها على اختلاف الاشخاص وتغايرها.
 وإذا لاح وجه التّجوز الحسن ونظرت إلى المعنى المجازي المستحسن فقد أشرفت من مصدرها على بحر لا يعام وأدركت صورة غاية لا ترام، وفي هذه الكلمة تنبيه على وجوب لزوم قانون الأدب الكاشف عن وجود معنى العقل والمقرر له[3].
فالأدب من نعم الله سبحانه على عبده، فهو صلاح عقل المرء، فروي عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام): (صلاح العقل الأدب)[4]، وكذلك هو لقاح  لعقل المرء وذكاء لقلبه، فروي عن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) أَنَّه قال: (الأدب هو لقاح العقل وذكاء القلب)[5]، فمن تجرد عن الأدب اصبح مجرَّدًا من العقل، وهذا ما نفهمه من قولِ أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (لا عقل لمن لا أدب له)[6].
 وينبغي لكلّ فردٍ أن يكسب الأدب ويكلّف نفسه على تحصيله، فإنّ الإمام الرّضا (عليه السَّلَام) يقول: (الْعَقْلُ حِبَاءٌ مِنَ اللَّه والأَدَبُ كُلْفَةٌ فَمَنْ تَكَلَّفَ الأَدَبَ قَدَرَ عَلَيْه ومَنْ تَكَلَّفَ الْعَقْلَ لَمْ يَزْدَدْ بِذَلِكَ إِلَّا جَهْلاً)[7].
وهذا يعني أنّ ميادين كسب الفضائل وتعلّم الآداب إنّما هي ميادين واسعة وكبيرة، وإن الإنسان قد يحتاج إلى الجهد الجهيد والمثابرة والبحث والكلفة والمشقّة من أجل الحصول عليها ونيلها والتحلّي بها، حتّى تكثر محاسنه وتقلّ مساويه، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) يقول: (من كلّف بالأدب قلّت مساويه)[8].
 وعلى الفرد أن يكون مؤدبًا وأن يحسن علاقته مع ربّه سبحانه، وأن يكون مؤمنًا مخلصًا في إيمانه، وأن يكون خير مراقبًا لنفسه الأمارة ويكون خير مؤدب لها، ولا ينجرف الى ميولاتها واتجاهاتها وشهواتها.
وهنا نكتفي بهذا القدر عن الحديث عن الأدب، وأن الحمد لله ربّ العالمين...

الهوامش:
[1] ينظر: مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي: 2/5.
[2] عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي: 51.
[3] يُنظر: شرح مئة كلمة، ابن ميثم البحراني: 167-168.
[4] ميزان الحكمة، محمَّد الرّيشهري: 1/53.
[5] أعلام الدين في صفات المؤمنين، الحسن بن محمَّد الديلمي: 84.
[6] العقل والجهل في الكتاب والسنَّة، محمَّد الرّيشهري: 82.
[7] الكافي، الشيخ الكليني: 1/24.
[8] عيون الحكم والمواعظ: 455.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2903 Seconds