.png)
سلسلة قصار الحكم
بقلم: د. قاسم خلف السكيني.
الحمد لله رب العالمين، عليه نتوكل وبه تعالى نستعين، سبحانه (الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من أثبته يبصره). وصلوات ربي الزاكيات، وسلامه الموفور بالخير والبركات، على خير خلقه، وخاتم رسله، محمد وعلى آله الطاهرين.
وبعد:
قال عليه السلام: إمْشِ بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ[1]
إن المعنى المستفاد من هذه الحكمة، وبحسب توضيح صاحب أعلام النهج: أن ما لم يقعدك الداء، ولم يعجزك عن المشي، فامش وتجلد. وجاء في الحدائق: (يعني امش في صورة الأصحاء مع علتك، وذلك راجع إلى إخفاء المرض، كما قال النبي صلى الله عليه وآله: من كنوز البر، كتمان العلة والمرض والمصيبة). وورد في شرح ابن أبي الحديد أن في هذه الحكمة حثا على مواصلة المشي، ولا يثني الإنسان شيء. وابتعد الخوانساري في شرحه لهذه الحكمة إذ فسر روايته (إمشِ بدأبك ما مشى بك) بانها تعني (تغيير السلوك ومقاطعة الضلال)، أي من الدأب في العمل.
والمستفاد من هـذه الحكمة بشكل مجمل، تحمل ما أنت فيه من المرض والسعي ما أمكنك في أمور الحياة.
وقد أجمعت الشروح على رواية الحكمة بلفظ المتن. وإن رواية: (إمش بدأبك...) التي جاءت في شرح الغرر، ضعيفة لأحاديتها أولا، ومخالفتها للسياق العام في دلالة نصوص النهج ثانيا. إذ لم يروَ عنه (عليه السلام) تشجيع الانفراد بالرأي، والدأب فيه، بل على العكس من ذلك، فقد ورد في النهج ما يحث على الأخذ برأي الآخرين، ومشاورتهم، ولا أشهر من قوله عليه السلام: (من استبد برأيه هلك). )[2].
الهوامش:
[1] وردت الحكمة في شرح الغرر 7/118 هكذا: (إمشِ بدأبك ما مشى بك)، ورويت بلفظ المتن في: العيون ص 75، والحدائق 2/185، والمنهاج 3/185، والمعارج ص 405، وأعلام النهج 2/113، وشرح ابن أبي الحديد 18/280، وشرح البحراني 5/189، والمصباح ص 583.
[2] لمزيد من الاطلاع ينظر: شرح حكم الإمام علي وتحقيقها من شروح نهج البلاغة: للدكتور قاسم خلف مشاري السكيني، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص50-51.
