الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام في خطبة له (عليه السلام) خطبها في الكوفة

سلسلة قصار الحكم

الدنيا في خطب الإمام علي عليه السلام في خطبة له (عليه السلام) خطبها في الكوفة

355 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 08-02-2024

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي
 
الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.
 
وبعد:
الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي إِلَيْه مَصَائِرُ الْخَلْقِ، وعَوَاقِبُ الأَمْرِ نَحْمَدُه عَلَى عَظِيمِ إِحْسَانِه – إلى أن يقول عليه السلام: - إِنَّه قَدْ أَدْبَرَ مِنَ الدُّنْيَا مَا كَانَ مُقْبِلًا، وأَقْبَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُدْبِراً، وأَزْمَعَ التَّرْحَالَ عِبَادُ اللَّه الأَخْيَارُ، وبَاعُوا قَلِيلًا مِنَ الدُّنْيَا لَا يَبْقَى، بِكَثِيرٍ مِنَ الآخِرَةِ لَا يَفْنَى.
 مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ وهُمْ[1] بِصِفِّينَ - أَلَّا يَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْيَاءً؟ يُسِيغُونَ الْغُصَصَ - ويَشْرَبُونَ الرَّنْقَ[2] قَدْ واللَّه لَقُوا الله فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ، وأَحَلَّهُمْ دَارَ الأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ.
 أَيْنَ إِخْوَانِيَ الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ، ومَضَوْا عَلَى الْحَقِّ؟ أَيْنَ عَمَّارٌ وأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ؟ وأَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ؟ وأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ، وأُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ؟
ثم ضرب عليه السلام بيده على لحيته الشريفة الكريمة، فأطال البكاء، ثم قال: أَوِّه[3] عَلَى إِخْوَانِيَ الَّذِينَ تَلَوُا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوه، وتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوه، أَحْيَوُا السُّنَّةَ وأَمَاتُوا الْبِدْعَةَ، دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا ووَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوه.
ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِه: الْجِهَادَ الْجِهَادَ عِبَادَ الله! أَلَا وإِنِّي مُعَسْكِرٌ فِي يَومِي هَذَا، فَمَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ إِلَى اللَّه فَلْيَخْرُجْ.
 
شرح الألفاظ الغريبة
قال نوف: وعقد للحسين عليه السلام في عشرة الاف ولقيس بن سعد في عشرة آلاف ولأبي أيوب الأنصاري في عشرة آلاف، ولغيرهم على أعداد أخر، وهو يريد الرجعة إلى صفين، فما دارت الجمعة حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه الله، فتراجعت العساكر، فكنا كأغنام فقدت راعيها، تختطفها الذئاب من كل مكان[4].
 
شرح الألفاظ الغريبة:
الرنق: - بكسر النون وفتحها وسكونها – الكدر؛ عمار بن ياسر: من السابقين الأولين؛ أبو الهيثم مالك بن التيهان: - بتشديد الياء وكسرها – من أكابر الصحابة، ذو الشهادتين: خزيمة بن ثابت الأنصاري، قبل النبي شهادته بشهادة رجلين في قصة مشهورة؛ أبرد برؤوسهم: أي أرسلت مع البريد بعد قتلهم إلى الفجرة البغاة للتشفي منهم رضي الله عنهم؛ أوه: - بفتح الهمزة – كلمة توجع[5].
 
الشرح:
قوله: ((ألا إنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلاً)): أي من الخير وصلاح أهلها، ((وأقبل منها ما كان مدبراً)): أي من الشرور التي أدبرت بمقدم الرسول صلى الله عليه وآله وظهور الإسلام، ((وأزمع الترحال، عباد الله الأخيار)) المتوقع فيهم إمام كمثله عليه السلام في الهداية لسبيل الله، وإزماعهم للترحال كناية عن اقتضاء الزمان لفنائهم من الدنيا والرحيل عنها.
ثم استعار لفظ البيع لتعويضهم بالقليل الفاني من متاع الدنيا والكثير الباقي من متاع الآخرة.
ثم أخذ في التذكير بنفي ضرر الموت وعدم الحياة عن إخوانه من الصحابة الذين قتلوا بصفين، وزهد في تلك الحياة بكونها محل تجرع الغصص وشرب الكدر من الآلام والأعراض ومشاهدة المنكرات، ولما زهد في تلك الحياة نبه على ما لهم في عدمها من الفائدة وهي لقاء الله، وتوفيته لأجورهم على الأعمال الصالحة، وحلولهم في دار الأمن: أي الجنة بعد خوفهم من فتن أهل الضلال.
 
ثم أخذ في استفهام عمن ركب طريق الحق ومضى عليه مستصحباً له استفهاماً على سبيل التوجع لفقدهم والتوحش لفراقهم ثم عن أعيان أكابرهم فذكر عمار بن ياسر، وفضله في الصحابة مشهور، وأبوه عربي قحطاني وأمه كانت امة لأبي حذيفة ابن المغيرة المخزومي ولدت عمارا فأعتقاها أبو حذيفة فمن هناك كان عمار مولى بني مخزوم وأسلم هو وأمه سمية فعذبهما بنو مخزوم في الله فأعطاهم عمار ما أرادوا بلسانه مع اطمينان قلبه بالإيمان فنزلت فيه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}[6]، وهاجر إلى أرض الحبشة، وصلى القبلتين، وهو من المهاجرين الأولين، وشهد بدراً والمشاهد كلها، وأبلى بلاءً حسناً، ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضاً ويومئذٍ قطعت أذنه. وعن ابن عباس في قوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ}[7] قال: هو عمار بن ياسر[8].
وعن عائشة أنها قالت: ما من أحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله أشاء أن أقول فيه إلا قلت إلا عمار بن ياسر فإني سمعته صلى الله عليه وآله يقول: إنه ملئ إيماناً إلى أخمص قدميه[9]. وعنه صلى الله عليه وآله: عمار جلدة ما بين عيني تقتله الفئة الباغية، لا أنالها الله شفاعتي[10]. وعنه صلى الله عليه وآله من أبغض عماراً أبغضه الله[11].
وأما ابن التيهان – بياء مشددة مفتوحة بنقطتين من تحت، ويروى مخففة ساكنة – فهو من الأنصار، كنيته أبو الهيثم، واسمه مالك، وقيل: بل اسم أبيه عمرو بن الحرب وهو – ابن التيهان – كان أحد النقباء ليلة العقبة، وشهد بدراً، والمشهور أنه أدرك صفين مع علي عليه السلام وقتل بها، وقيل: توفي في زمان الرسول صلى الله عليه وآله.
وأما ذو الشهادتين فكنيته أبو عمارة، واسمه خزيمة بن ثابت بن الفاكة بن ثعلبة الخطمي الأنصار ي من الأوس جعل رسول الله صلى الله عليه وآله شهادته بشهادة رجلين لقصة مشهورة، وشهد بدراً وما بعدها من المشاهد وكان راية بني خطمة من الأوس يوم الفتح بيده، وشهد صفين مع علي عليه السلام فلما قتل عمار قاتل هو حتى قتل معه، ونظراؤهم من إخوانه: أي الذين قتلوا بصفين معه من الصحابة: كابن بديل وهاشم بن عتبة ونحوهما، وتعاقدهم على المنية اتفاقهم على المقاتلة إلى غاية أن يقتلوا. وروي تعاهدوا. والفجرة الذين حملت رؤوسهم إليهم أمراء الشام.
ثم أخذ في التشكي والتوجع على فقدهم ثم أشار إلى فضائلهم التي هي غاية الشريعة المطلوبة منهم وهي تلاوة القرآن وإحكامه بفهم مقاصده ومعانيه، والتدبر للفرض: أي فهم ما لأجله العبادات وإقامتها والمواظبة عليها نظراً إلى أسرارها، وإحياء السنن النبوية، وإماتة البدع المخالفة لها، وإجابتهم للدعوة إلى الجهاد لإقامة الدين، ووثوقهم إليه في سبيل الله يعني نفسه واتباعهم له، والرواح إلى الله الخروج إلى الجهاد الذي هو سبيله الموصلة إليه وإلى ثوابه.
وقيس بن سعد الخزرجي: صحابي كنيته أبو عبد الملك، روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله احاديث، وأبوه سعد من رؤساء الخزرج وهو سعد بن عبادة الذي حاولت قومه إقامته خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان قيس هذا من كبار شيعة على عليه السلام ومحبيه، وشهد معه حروبه كلها وكان مع الحسن بن علي عليه السلام، ونقم عليه صلحه لمعاوية. وأما أبو أيوب الأنصاري: فهو خالد بن سعد بن كعب الخزرجي من بني النجار، شهد العقبة وبدراً وسائر المشاهد، وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه وآله لما خرج من بني عمرو ابن عوف حين قدم المدينة مهاجراً فلم يزل عنده حتى بنى مسجده ومساكنه، ثم انتقل إليها، وشهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها الجمل وصفين، وكان على مقدمته يوم النهروان. وبالله التوفيق[12].)([13]).

الهوامش:
[1] (وهم) ليس في نهج الشيخ العطار.
[2] في نهج البلاغة لصبحي صالح الرَّنْق – بسكون النون، وفتح القاف – وشرح نهج ابن ميثم الريق المثبت من نهج الشيخ العطار ونهج الشيخ محمد عبده.
[3] في نهج البلاغة لصبحي صالح: أوّهِ وكذا في الألفاظ الغريبة.
[4] نهج البلاغة لصبحي صالح: 260-264/ خطبة رقم 182، ونهج البلاغة للشيخ العطار: 345-352/ خطبة رقم 182، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 380-392/ خطبة رقم 181، ونهج البلاغة للشيخ محمد عبده 1: 359-367.
[5] شرح الألفاظ الغريبة: 644.
[6] النحل: 106.
[7] الأنعام: 122.
[8] مجمع البيان لعلوم القرآن 4: 169.
[9] الوافي بالوفيات 18: 20.
[10] اختيار معرفة الرجال: 30/ 57.
[11] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3: 33.
[12] شرح نهج البلاغة لابن ميثم 3: 393-395/ شرح الخطبة رقم 181.
([13]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 195-200.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2446 Seconds