الباحث: سلام مكي الطائي
قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (الأمر بالمعروف أفضل أعمال الخلق)[1].
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الشرعية المترتبة على المسلمين، وهذا الامر واجب على كل مسلم مكلف أن يأمر بما يرضي الله تعالى و ينهى عن المعاصي التي حرم الله تعالى فعلها، ولا يجوز لاحد ترك هذا العمل أو الاخلال به؛ لأن بتركه ممكن أن تنتشر المعاصي والمحرمات، وإن الدين الاسلامي لا يجوِّز لأحد أن يتنازل عن واجبه المفروض عليه، والأمر بالمعرف يعد من افضل أعمال الانسان المؤمن الذي يؤمن بالرسالة الاسلامية.
والامام علي(عليه السلام) يبين لنا ذلك وأكده في حكمته أعلاه، وكذلك أن غاية الاسلام هو أن ننشر الفضيلة ونأمر بها، وننبذ الرذيلة وننهى عنها، و قال الامام علي (عليه السلام) في هذا الشأن: (غاية الدين، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)[2]، و الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من اساسيات الدين الاسلامي، ويؤكد ذلك قوله تعالى في كتابه العزيز من وصية لقمان الحكيم لابنه: ﴿يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر...﴾[3]، وقال (صلى الله عليه وآله) مخاطباً المرء المسلم أن يكون آمراً بالمعروف وبالإصلاح؛ كالنصيحة والموعظة الحسنة، وناهياً عن المعاصي والفواحش النكراء: (كن بالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهياً)[4].
فضائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إن الآمر بعمل الخير والفضيلة والناهي عن المحرمات والذي يبين للآخرين مدى تأثيرها على المجتمع الاسلامي؛ فهذا صاحب مكانة عالية عند الله تعالى، وهو خليفة الله في الارض ورسوله وكتابه عز وجل، هذا ما وصفه به الرسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ أنَّه قال: (من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة رسول الله، وخليفة كتابه)[5]، وإنَّه واجب مهم من الواجبات الشرعية بعد الصلاة، حيث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل مرتبته كمرتبة الصلاة، إذ أنَّه (صلى الله عليه وآله) قال: (أمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر صلاة)[6].
ومن فضائله أيضاً أنَّه جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمثابة الصدقة؛ أي: إن الموعظة التي يقدمها الفرد الى الناس؛ فتكون هذه الموعظة مؤثرة بهم؛ فيتعظون بها، وبسببها يرجعون الى الصواب والى تعاليم الدين الاسلامي الالتزام بها، والى ألفتهم الاجتماعية، وهذه أحب صدقة الى الله تعالى، وكذلك انها أفضل من عبادة الف سنة، إذ أنَّه (صلى الله عليه وآله) قال: (ما تصدق مؤمن بصدقة أحب إلى الله من موعظة يعظ بها قوما، يتفرقون وقد نفعهم الله بها، وهي أفضل من عبادة سنة)[7]، وكذلك أن الآمر بالمعروف وفاعل الخير والناهي عن المنكر يكون له من الاجر كأجر فاعله، كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث أنَّه قال: (الآمر بالمعروف كفاعله)[8]، و كذلك قال (صلى الله عليه وآله): (من أمر بمعروف و نهى عن منكر، أو دل على خير، أو أشار به فهو شريك)[9].
وكذلك أنَّ أفضل ما يقدمه المرء المؤمن من هدية أو شيء ثمين هو أن يقدم له النصيحة والحكمة في سبيل الله؛ فبكلامه هذا ممكن أن يرجع الشخص المقابل الى مساره الصحيح إذا كان خارجاً عن طريق الهداية والصلاح، كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ أنَّه قال: (ما أهدى المسلم لأخيه هدية أفضل من كلمة حكمة، تزيده هدى، أو تردَّه عن ردى)[10]، وكذلك إنّ درجة ومنزلة المرء الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بمنزلة الشهيد، كما روي عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)، إذ إنَه قال: (... و الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر شهيد)[11].
طرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إن أوَّل هذه الطرق أو المحاولات التي تمكننا من القضاء على المنكر هي: أن يقوم المؤمن بتغيير المنكر بيده، وهذا من أقوى درجات الإيمان؛ فإن لم تكن لديه الاستطاعة والقدرة على ذلك؛ فعليه أن ينكره وينهى عنه بلسانه، وإن لم يستطع؛ فبقلبه وهذا اضعف درجات إيمان المرء، كما روي عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)، إذ إنَّه قال: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، ليس وراء ذلك شيء من الايمان) وفي رواية: (ان ذلك أضعف الايمان)[12].
وينبغي الإشارة إلى مسلمة مهمة وهي يجب أن يتحلا الشخص الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالصفات الإيمانية بمعنى أنه يجب على الشخص أن يصلح نفسه أولا ثم ينظر إلى غيره، ولربما يتعظ الكثير بملاحظتهم أفعاله وسلوكياته في المجتمع، وهذا يعطي واقعية ومقبولية أكثر في الوسط الاجتماعي، إذ لا تقبل النصيحة من شخص مرتكب المعصية نفسها فمن الأولى أن ينصح نفسه بها، وهنا تظهر فائدة جليلة والربما مخفية عن الملاحظة، إذ لو التزم الناس بهذه القاعدة – إصلاح النفس أولا- ثم يبادروا بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر لاستقام المجتمع وتطهر من شوائب المعاصي، ويفترض أيضا أن يكون لديه دراية ومعرفة عندما يأمر بفعل الخير والاصلاح وينهى عن الفحشاء والمنكر، وهذا ما أشار اليه أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذ أنَّه قال: ( ... وليس يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، الا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر به، رفيق بما ينهى عنه، عدل فيما يأمر به، عدل فيما ينهى عنه، عالم بما يأمر به، عالم بما ينهى عنه)[13]، وإنّ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون ضمن فئة معينة من الناس مثلا: أن يكون شخصاً جاهلاً وإذا نهي عن فعل المنكر ممكن أن يتعلم ويستجيب للأمر ويعدل عن فعل المنكر، أو مؤمن يقبل النَّصيحة و الموعظة عندما تقدم له النَّصيحة؛ فيأخذها ويتعظ من الشخص المقابل، ولكن إذا كان المقابل صاحب سيف فلا يؤمر بالمعروف، وهذا الكلام ما اثبته لنا النَّبِيّ (صلى الله عليه وآله)، إذ أنَّه قال: (إنما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، جاهل فيعلم، أو مؤمل يرتجى، و أما صاحب سيف أو سوط فلا)[14]، وايضاً قال الامام جعفر بن محمد الصادق عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام في هذا الشأن: (إنما يُؤمر بالمعروف ويُنهى عن المنكر مؤمن فيتعظ، أو جاهل فيتعلم، فأما صاحب سيف وسوط فلا)[15].
الهوامش:
[1]غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدي التميمي، ح:1370، ص53.
[2] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مركز الرسالة، ص14.
[3] لقمان، 17.
[4] مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، ج12، ص186.
[5] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مركز الرسالة، ص45.
[6] المصدر نفسه، ص44.
[7]المصدر نفسه. ص44.
[8] المصدر نفسه، ص46.
[9]روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص365.
[10] الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مركز الرسالة، ص44.
[11] المصدر نفسه، ص47.
[12] مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، ج12، ص192.
[13] المصدر نفسه، ص189.
[14] المصدر نفسه، ص186.
[15] الهداية، الشيخ الصدوق، ص57.