بقلم: د. جليل منصور العريَّض
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
النظام من أهم العوامل الحضارة، وشيوعه في مجتمع ما يحتاج إلى مستوى ثقافي معين، والتزام خلقي يجعل من كل إنسان نغمة متجانسة في جوقة المجتمع بكل فئاته، فالفردية وإن كانت تلزم صاحبها بالإحساس بكيانه وتفرده، الا أنها في الجانب الآخر يجب ان تذوب في كيان المجتمع وتتفاعل معه بالأخذ والعطاء، ولا يتأتى ذلك لمجتمع جاهل، لأن الجهل ضد النظام، لذلك فقد صور علي عليه السلام مجتمعه الجاهل بانفلاته من النظام «كالإبل ضل رعاتها، فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر»[1] فالإبل هم عامة الناس الذين يجهلون مصائرهم بانقيادهم إلى زعاماتهم بالتعصب لهم ولآرائهم عن جهل لأن أولئك الزعماء، والقادة الذين يجرون وراء مطامعهم الشخصية، إنما يقودونهم لتحقيق ماربهم الشخصية، فالمجتمع بفئاته المتفككة الأوصال في صوب، والقيادة المستنيرة في صوب آخر، والمداراة والتؤدة في معالجة الاوضاع من لدن تلك القيادة لا تجديان نفعاً، ولا تعودان بفائدة في مجتمع لا تكاد نظرة جل أفراده أن تتخطى ذواتهم في نطاق دائرة الانتماء الضيقة التي حصروا فيها نفوسهم، مما جعل رابطة التعاون بين الفئات المختلفة، مبنية على أسس من المصالح الذاتية البحتة التي في معظمها لا تراعي القيم، ولا تأخذ من النظم إلا ما يتناسب وهواها، فتستحيل تلك النظم والقيم إلى أساليب جوفاء مائعة باعماد تفسيرها من قبل أفراد المجتمع تفسيراً معكوساً، ومخالفاً عما تنطوى عليه من معان سامية هدفها سعادة الجميع.)([2]).
الهوامش:
[1] خطب 34.
([2]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور جليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 400-401.