سابعا قصدية التشريف لصلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في توليته للحسن والحسين (عليهم السلام) على أمواله
بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
وبعد:
اشتملت وصية أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام في أمواله على جملة من العنوانات الشرعية والعقدية، فضلاً عن اكتنازها للعديد من المصاديق والمفاهيم الأخلاقية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية وغيرها، وهو ما ستعرض له عبر جملة من المقالات، وهي على النحو الآتي:
قصدية التشريف لصِلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
للوصول الى قصدية التشريف لصلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابد من الرجوع الى اهل اللغة ابتداءً بغية بيان معنى لفظ (الشرف) ومن ثم كيفية انطباق هذا المعنى على صلته (صلى الله عليه وآله) من خلال ابني فاطمة (عليهم السلام).
إنّ معنى (الشرف) لدى اللغويين هو: (العلو، والمكان العالي)[1]؛ ولذا يقال: (للجبل: مشرف، أي: عالٍ)[2].
واذا (اشرف الشيء: علا وارتفع)[3].
ومن هذا المعنى (سمي الشريف شريفاً تشبيهاً للعلو المعنوي بالعلو المكاني)[4].
وعليه:
فإن هذا العلو متحقق بقصديه المكاني والمعنوي.
بمعنى: إنَّ قصدية العلو المعنوي متحققة بلحاظ انهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما مرَّ بيانه في المبحث السابق في تركيز الامام علي (عليه السلام) على هذه الخصيصة طيلة حياته وتحصين الاذهان من الانحراف عن تنزيلهما عن منزلتهما من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهما لحمه ودمه وحرمته.
ومن ثم فلهما من المنزلة التشريفية ما ليس لأحد من الناس، ولذلك كان مقصده في تشريف صلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في جعل التولية لهما كما جاء في الوصية هو هذا العلوّ المعنوي فليس في الامة ابن بنت للنبي (صلى الله عليه وآله) غيرهما.
اما قصدية العلوّ المكاني:
فقصديته متحققة في مكانهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الجنة والذي لا يعلوه مكان فيها، كما نصت عليه الأحاديث الشريفة عنه (صلى الله عليه وآله)، فكان منها:
1- اخرج الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن ميمونه وأم سلمة زوجي النبي (صلى الله عليه وآله) قالتا:
(استسقى الحسن فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج له في غمر قام لهم ثم اتاه به، فقام الحسين فقال:
«اسقينيه يا أبه»، فأعطاه الحسن، ثم خرج للحسين فسقاه، فقالت فاطمة:
«كأن الحسن أحبهما اليك»؟
قال:
انه استسقى قبله، وإني وإياكِ وهما وهذا الراقد[5] في مكان واحد في الجنة)[6].
2- واخرج احمد بن حنبل وابن ابي عاصم عن الامام علي -(عليه السلام)-، قال:
دخل رسول الله (صلى الله عليه -وآله- وسلم) وانا نائم على المنامة فاستسقى الحسن أو الحسين، قال: فقام النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) إلى شاة لنا فحلبها فدرت، فجاءه الحسن فنحاه النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم)، فقالت فاطمة:
«يا رسول الله كأنه أحبهما إليك قال لا ولكنه استسقى قبله»، ثم قال:
«إني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة»)[7].
وهذه الشرفية والعلوّ المكاني متلازمة مع الشرفية والعلوّ المعنوي فمن حيث كونهما ابناه (صلى الله عليه وآله) ومن حيث كونهما معه في مكان واحد يوم القيامة بعموم مواقفها ومنازلها ومنها الجنة.
بمعنى: إن من اراد ان ينال هذه الصلة المعنوية والمكانية والقرب منها فعليه بابني فاطمة (صلوات الله عليهم اجمعين).
ولذا: نجد منتج النص (صلوت الله وسلامه عليه) اول ما ابتدأ به في العلاقة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ابتغائه لوجه الله تعالى، انه قال:
«وقربة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وتكريما لحرمته»، ثم هذه الرتبة الثالثة من أليات التعامل مع سيد الخلق (صلى الله عليه وآله) والتقرب منه وصلته في الدنيا والاخرة، وهي تشريف هذه الصلة التي لهما برسول الله (صلى الله عليه وآله).
والتي لا تتحقق ولا تنال الا بمعرفة هذه الصلة التي لهما برسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي تتلازم معها، أي مع هذه المعرفة مراتب القرب والتشرف بالوصول الى رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وعليه:
يلزم بيان مراتب هذه المعرفة التي ابتغاها منتج النص وارادها فعلاً خارجياً بين الناس[8].
الهوامش:
[1] الصحاح للجوهري: ج4 ص1379.
[2] المصدر السابق.
[3] لسان العرب لأبن منظور: ج9 ص169.
[4] مجمع البحرين للطريحي: ج5 ص74.
[5] الراقد: كان هو الامام علي (عليه السلام).
[6] الامالي للطوسي: ص593؛ تاريخ دمشق: ج14 ص164.
[7] مسند احمد: ج1 ص101؛ السنة لأبن أبي عاصم: ص584.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فاطمة في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة. ج5/ ص 30-34.