من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة قال عليه السلام: (((لَنَا حَقٌّ فَأنْ أُعْطِينَاهُ وَإِلاَّ رَكِبْنَا أَعْجَازَ الإبل وَأنْ طَالَ السُّرَى))

مقالات وبحوث

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة قال عليه السلام: (((لَنَا حَقٌّ فَأنْ أُعْطِينَاهُ وَإِلاَّ رَكِبْنَا أَعْجَازَ الإبل وَأنْ طَالَ السُّرَى))

267 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 29-02-2024

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:
أَعجاز الإبل
العَجز مؤخر الشيء، وهو ما بعد الظهر[1]. وجمعه أعجاز[2]. وأعجاز الإبل مآخيرها[3]. واستعمل الإمام لفظة (أَعْجَاز) بصيغة الجمع على (أَفْعَال) مرة واحدة في نهج البلاغة [4]. مضافة إلى مفردة (الإبل)؛ للدلالة على مآخيرها. وذلك في قوله: ((لَنَا حَقٌّ، فَأنْ أُعْطِينَاهُ، وَإِلاَّ رَكِبْنَا أَعْجَازَ الإبل،وَأنْ طَالَ السُّرَى[5]))[6]. يتضمن قول الإمام إشارات عديدة؛ منها أنه يومئ بـ (الحق)؛ إلى حقه وحق أهل البيت (عليه السلام) في (الإمامة) التي أخذت منه يوم الشورى. وقد نقل المؤرخ الطبري(ت310 هـ) قول الإمام المتقدم في (قِصّة الشّورى)[7]. وشرح الشريف الرضي قوله (عليه السلام) ((رَكِبْنا أَعْجاز الإبل))، ذاكراً أنه ((من لطيف الكلام وفصيحه. ومعناه: أنا إنْ لم نُعْطَ حَقّنا كُنّا أذلاّء، وذلك أنّ الرديف يركب عجز البعير، كالعبد والأسير ومن يجري مجراهما))[8]. وهذه بعض الوجوه التي فسر بها كلامه (عليه السلام). وذلك أن (أعجاز الإبل)، ومآخيرها، مركب شاق صعب[9].استعمله الإمام على جهة التشبيه. مستعيراً هذا الجزء من أعضاء جسم الإبل؛ بوصفه أدنى جزء من ظهورها، في تشبيه حال الراكب عليها وبخاصة إذا كان الركوب بغير رحل أو وطاء، ما يزيد من أذى الراكب، وعدم استقراره في مركبه؛ فوجود الرحل والوطاء على ظهر البعير يعين في اطمئنان الراكب وثباته. وهذا الوجه أبان عنه ابن قتيبة في دلالة (اعجاز الإبل) الواردة في كلامه (عليه السلام)[10]. وهو من أوائل الذين اشاروا إلى هذه الدلالة، وزاد عليها بأنه يحتمل أن يراد بالتعبير المتقدم كون الراكب ردفاً تابعاً لغيره[11]. وهو ما يزيد في أذاه وعدم ثباته، فيصير كأنه مظلوم في ركوبه تلواً لغيره. فأشار الإمام إلى تأخيرهم له وتقديم غيره عليه بذكر (ركبنا أعجاز الإبل) [12]. كأنه يومئ إلى أخذ حقه في (الإمامة) من خلال تقديم غيره عليه وجعله ردفاً تابعاً لغيره، ومع ذلك كله، فإنه يعلن تحمله ذلك وصبره عليه[13].
وثمّة دلالة أخرى يحتملها النص، مؤداها أنّ الإمام يقصد بذلك: أنْ قدمنا للإمامة تقدمنا، وأنْ أُخَّرنا صبرنا على الأثرة، وإن طالت الأيام[14] ؛ لعدم وجود الناصر والمعين. وقد لمس بعض الدارسين في كلام الإمام ضرباً من الفخر وعلو الهمّة على أساس أن الراكب على عجز البعير، وكاذ الفرس؛ تطلق يداه بالسلاح أكثر من الراكب الذي يلي عنقهما[15]. وهذا وجه بعيد لا يناسب السياق الذي استعمله الإمام السياق. وهي فالراكب على عجز الإبل لا يكون مستقراً في ركوبه فكيف يكون حال الرديف على ظهر الفرس، وذلك معروف مفهوم من هيئة ظهر (الجمل) و (الفرس). فكيف تطلق يد من اعتلى (أعجاز الإبل) بالسلاح، وهو متحير في تثبيت نفسه ومنعها من الوقوع مستعملاً في ذلك يده لغرض الثبات والاستقرار ممسكاً بظهر صاحبه ليمنع نفسه من الوقوع، وهو ما يمنعه من إطلاق يديه بالسلاح. ولو أراد الإمام هذا المعنى، لذكر (أعجاز الخيل) بدلاً من (أعجاز الإبل) لأنّ ظهرها وعجزها أكثر ملاءمة في الركوب والاستقرار من الإبل. ولكننا يمكن أن نتلمس دلالة الفخر في كلامه (عليه السلام) من خلال احتمال أنه يريد: إننا إنْ نمنعه - أي حقه - فذلك لا يمنعنا من بذل الجهد الجهيد في طلبه. وذلك كفعل من يضرب في ابتغاء طلبته أكباد الإبل، ولا يبالي بطول السرى[16]. وهذه الدلالة راجحة تضاف إلى الدلالات الأخرى المتقدمة التي باجتماعها يمكن الخروج بعدة إيحاءات للتعبير المتقدم الذي اتسع فيه القول، لتكون الدلالات المتقدمة جميعاً مقصودة في كلامه (عليه السلام) [17]. فضلاً عن كون (عجز البعير) رمزاً للمشقة والقهر والغلبة والأذى، وتحمل المشاق، فضلاً عن الدلالة على التأخر في تولي الامور. 
وأود - هنا - أن أُسجل تحفظاً على ما ذهب اليه أغلب المصنفين في (غريب الحديث) و (شرح نهج البلاغة) الذين رددوا عبارات يفهم منها أن الإمام أراد تشبيه حاله بحال الذليل المنكسر مثل الأسير والعبد الذين يردف بهم على أعجاز الدواب. فإنّه (عليه السلام) لم يرد معنى الذلة والانكسار، وإنما معنى استلاب حقه والاستيلاء عليه  ومنعه منه، وفي هذا اشارة إلى إيذائه واستضعافه))([18]).

الهوامش:
[1] ينظر: العين (عجز): 1/215، والمحكم (عجز): 1/299.
[2] أنفسهما.
[3] ينظر: تهذيب اللغة (عجز): 1/220.
[4] ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 292.
[5] السُّرى السير ليلاً. ينظر: مقاييس اللغة (سرو): 33/154.
[6] نهج البلاغة: قصا/22: 602، وقد نقلت المدونات اللغوية قول الإمام المتقدم. ينظر: غريب الحديث (ابن قتيبة): 2/139، وتهذيب اللغة (عجز): 1/220، والفائق: 2/397، وغريب الحديث (ابن الجوزي): 2/72، والنهاية في غريب الحديث: 3/185، ولسان العرب (عجز): 5/371، وتاج العروس (عجز): 15/212.
[7] ينظر: تاريخ الطبري: 2/585، ومصادر نهج البلاغة وأسانيده: 4/23.
[8] نهج البلاغة: قصا/22: 602، وشرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 18/107.
[9] ينظر: تهذيب اللغة (عجز): 1/220.
[10] ينظر: غريب الحديث (ابن قتيبة): 2/139، والفائق: 2/397.
[11] نفسه.
[12] ينظر: تهذيب اللغة (عجز): 1/220.
[13] ينظر: النهاية في غريب الحديث: 3/185، ولسان العرب (عجز): 5/371، وتاج العروس (عجز): 15/212.
[14] ينظر: النهاية في غريب الحديث: 3/185. وقد أشار الباحث د.عبد الكريم السعدأوي إلى أن هذهِ الدلالة ذكرها السيوطي في كتابه (التذييل والتذنيب على نهاية الغريب).وفاته أن (ابن الأثير الجزري) أسبق من (السيوطي) في هذا القول؛ لتقدم الأول زمناً. ولعله لم يطلع على رأي (ابن الأثير) هذا. ينظر: غريب نهج البلاغة: 303، 304.
[15] ينظر: غريب نهج البلاغة: 303، 304.
[16] ينظر: الفائق: 2/397، والنهاية في غريب الحديث: 3/185.
[17] يمكن أن تكون الاحتمالات المتقدمة كلها مرادة كما يذكر الشارح البحراني في شرح نهج البلاغة: 5/397.
([18]) لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 65-68.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2800 Seconds