يمثل خطاب أمير المؤمنين(عليه السلام) للإنسان، بقوله: لا تسبن إبليس فهو ملعون ومطرود, فالواجب علينا سبه ولعنه, لكن السب واللعن يجب فعلاً أن يمثل حقيقة ملحوظة لا نفاقاً, يكون اللعن بالبراءة من الشيطان وحزبه, وكل ما يتصل به.
فهذه الحكمة تتغلغل في أعماق ذات الإنسان, الذي قد يخدع الكون وكل من حوله بتقواه وإيمانه وإتباعه لأهل الإيمان, ولعنه وسبه للشيطان وحزبه أمام الخلق, وهو حقيقة في نجواه وسره أسير مطيع لهواه, مستسلم للشيطان, بل هو صديق وقرين مخلص له, لذلك يتحتم على الانسان المؤمن أن يؤمن إن الشيطان عدو مبين له.
والله سبحانه قد أصدر حكمه على ابليس ووصفه بأنه عدو مبين, عدو يبذل كل الجهد ليقع الانسان فيما وقع هو فيه من الشرك والمعصية, لذلك من يرافقه ويرضى به صديقاً لابد من أن يتصف بصفاته البعيدة عن الجمال والطهارة والحسن والخير.
والقبول بصداقة إبليس تعني الانضمام الى حزب الشيطان الباطل, وعشق مبادئه, بحيث تنتهي شخصية الانسان الخيرة, التي تحمل بذور الايمان, وتحل محلها شخصية إبليس في كل ما يصدر منها من الاقوال والافعال.
وهذا المعنى قد رسمه الامام (عليه السلام) بقوله في وصف أتباع الشيطان: (إتّخذوا الشيطان لأمرهم ملاكاً، واتّخذهم له أشراكاً, فباض وفرخ في صدورهم، ودبّ ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم، ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل، وزيّن لهم الخطل، فعل من قد شركه الشيطان فيسلطانه، ونطق بالباطل على لسانه)[2].
كما أن صداقة الإنسان للشيطان تنسيه خالقه, وهذه هي قمة الانتصار التي تسعد قلب إبليس اللعين؛ لأن هدفه قد تحقق, فقد أنتصر وجرّ أتباعه معه الى الجحيم.
يقول تعالى:{ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[3].
فالله سبحانه وتعالى مطلع على السر والعلانية فإليه الملجأ وإليه المهرب وهو المستعان, فما أروع قول الامام السجاد (عليه السلام) في دعائه لله بأن يحمينا من الشيطان وكيده: (أللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ لَهُ فِي قُلُوبِنَا مَدْخَلاً وَلاَ تُوطِنَنَّ لَهُ فِيمَا لَدَيْنَا مَنْزِلاً, اللَّهُمَّ وَمَا سَوَّلَ لَنَا مِنْ بَاطِل فَعَرِّفْنَاهُ وَإذَا عَرَّفْتَنَاهُ فَقِنَاهُ، وَبَصِّرْنَا مَا نُكَايِدُهُ بِهِ، وَأَلْهِمْنَا مَا نُعِدُّهُ، وَأَيْقِظْنَا عَنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ بِالرُّكُونِ إلَيْهِ وَأَحْسِنْ بِتَوْفِيقِكَ عَوْنَنَا عَلَيْهِ)[4].
ولأن الله سبحانه يحب عباده لذلك حذرهم في كثير من آياته, لينجوا بأنفسهم من مكائد الشيطان, كذلك أهل البيت حذروا في إرشادنا الى سبيل النجاة منه.
يقول أمير المؤمنين: (أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اَللَّهِ اَلَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ وَ اِحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ وَ حَذَّرَكُمْ عَدُوّاً نَفَذَ فِي اَلصُّدُورِ خَفِيّاً وَ نَفَثَ فِي اَلْآذَانِ نَجِيّاً فَأَضَلَّ وَ أَرْدَى وَ وَعَدَ فَمَنَّى وَ زَيَّنَ سَيِّئَاتِ اَلْجَرَائِمِ وَ هَوَّنَ مُوبِقَاتِ اَلْعَظَائِمِ حَتَّى إِذَا اِسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ وَ اِسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ وَ اِسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ وَ حَذَّرَ مَا أَمَّنَ)[5].
والإنسان الذي يكون إبليس صديقاً له يكون خبثه وأتحاده مع خبث إبليس كبير في التخطيط المدمر لكثير من الامور, فالأسلوب المعتمد عندهما هو الخداع والمكر وإظهار الشيء وإخفائه, فصورة الصلاح والاستقامة لهذا الانسان ستخدع الناس, وربما يجعلوه قدوتهم والمتحكم في أمرهم, وإذا حصل وتحقق هذا فأنه سيخدع بسطاء العقول ويوقعهم في مكائده ومصيدته؛ فحقاً من يكون صديقاً للشيطان في السرّ؛ فخطره ربما يفوق الشيطان نفسه, لأنه عدو ماكر يتصنع المحبة ويرتدي ثوب الصداقة كما نراه ألان بصورة واضحة من بعض الشخصيات الذين لبسوا ثوب الدين ومكروا الناس بعملهم فهؤلاء يا ويلهم من رب العزة على فعلتهم الشنيعة التي عملوها, بمكرهم الناس والضحك عليهم وإغوائهم بأموال الشعب في سبيل الوصول الى الامر الذي يخططون له مع شيطانهم.
وطرق إبليس في اغواء الإنسان كثيرة منها التظليل والإغواء والوسوسة والهواجس ودفعه العبد ليتبع هواه ويتعلق بالدنيا ويبتعد عن ربه بالمعصية والشرك, فما أعظم مكائده وما أخبثها.
كذلك تعد الأوامر الإلهية كفيلة بتحقيق السعادة للإنسان في الدنيا والاخرة لذلك ليس على العبد سوى الطاعة والإذعان, أما أوامر الشيطان وطاعته فإنها لا تأمر إلا بالشر والمعصية ولا تؤدي الا التعاسة الفعلية في الدنيا والاخرة.
وإن وسوسة الشيطان ما هي الا باطل محض، لذا فالملجأ لله بأن يملكن الإدراك والمعرفة لكي نحذره ونبتعد عنه, فبهداية الله لنا, وتوفيقه لمساعينا, وابعادنا عن الغفلة نظفر ونفوز وننتصر على إبليس فلا يقدر أن يستدرجنا عدو الله, لذا نعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم.
الهوامش:
[1] - شرح نهج البلاغة, ابن أبي الحديد, ط2, ص329
[2] - نهج البلاغة, خطبة7.
[3] - سورة المجادلة, الآية19.
[4] - الصحيفة السجادية, ص88.
[5] - نهج البلاغة, صبحي الصالح, خطبة83,ص131.